|
الأربعاء 4 يوليو - 0:59 | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في عالمنا الغريب (الأحلام) البشر جميعهم لهم نصيبهم من الأحلام. فمن منا لم يراوده حلم أو أحلام في مراحل حياته المتباينة؟ فالمرء وهو يخوض مياه العمر قد يغلبه الإحساس الأليم بأن حياته تتقاذفها التيارات، ويطبق عليه الشعور الثقيل بالعجز، فيلجأ إلى الحلم. إن الأحلام نشاط ذهني يختص به البشر دون غيرهم من الكائنات الحية. فلئن قدم المفكرون والفلاسفة تعريفاً للإنسان ضمن مملكة الحياة بأنه «حيوان عاقل» أو «حيوان اجتماعي» أو حتى مجازاً «حيوان عامل»، فإن ذلك يقصر عن تقديم ما يتميز به الإنسان عن غيره. فالحلم حق حصري للإنسان لا ينازعه فيه أي مخلوق حي آخر. الأحلام تحطم قيود المكان والزمان. فهي لا تعترف بهما، وتسعى دوماً للتمرد عليهما، وهي في ذلك تخترق أحياناً ما اصطلح على تسميته بالطبائع البشرية، وحدود المعرفة الإنسانية. فالأحلام في اختراقها الإطار الضيق للزمان تمثل وقائع مؤجلة ولكنها قابلة للتجسد؟ ففي القرن الخامس عشر في إنجلترا، ذاع صيت عجوز كانت تهذي دوماً بحلم يراودها، خلاصته أن في المستقبل ستكون السماء مملوءة بطيور ضخمة مصنوعة من المعدن، تسافر من مكان لآخر، ويمتطيها البشر في ترحالهم. ذلك الحلم تحقق في بدايات القرن المنصرم مع صناعة الطائرات، ولكن ذلك الحلم جلب إلى صاحبته سوء العاقبة في زمن مطاردة الساحرات وإحراقهن. غير أن الأحلام تطرح علينا أسئلة شائكة، مثل هل للأحلام مهمة ما تنجزها؟ وما مصدر الأحلام؟ وما الذي تعنيه؟ في الخيال الشعبي والموروث التقليدي هناك إجابات جاهزة ومتداولة على تلك الأسئلة. فالكثير من البشر يعتقدون بما يصل إلى درجة اليقين بأن الأحلام ليست سوى رسائل تتضمن معاني محددة، وتصل إلى الإنسان لأسباب على قدر كبير من الأهمية. فحسبما يرطن اختصاصيو الإنثربولوجيا وعلوم الإنسان، بأن المحاولات الأولى لصياغة نظرية متكاملة حول الأحلام، نهضت على افتراضات متعددة، من بينها أن الأحلام محض رسائل تصل إلى الفرد ممن تربطه بهم علاقة وثيقة على الرغم من غيابهم أو عدم حضورهم في حياته، كأقاربه الموتى أو الآلهة. وتلك الرسائل - حسبما يشير صائغو هذه النظرية - قد تكون مركبة على نحو بسيط أو على النقيض من ذلك ذات عناصر في غاية التعقيد، كما أنها قد تتميز بكونها مباشرة وواضحة أو تتسم بالمداورة والغموض. والحالة الأخيرة، بطبيعة الحال، تجعل هناك حاجة ضرورية لشخص ما، لديه القدرة على تفسير الأحلام، أو إضفاء معنى منطقي على بعض محتواها الذي يلوح للوهلة الأولى عصياً على الفهم. وغني عن القول، أن الأحلام في جانبها المحير، قد أنتجت سلالة ممتدة من أولئك العرافين والمبصرين الذين لم تلحق تطورات العلم والحضارة الإنسانية، ضرراً كبيراً بمهنتهم، إذ إنهم وجدوا منذ فجر الإنسانية وحتى يومنا الراهن، والأغلب أنهم سيظلون محتفظين بمهنتهم في المستقبل، ومهما كان الأمر، فإن الأحلام وفقاً لهذه النظرية يمكن تلخيصها بالقول أنها ضرب من التواصل مع طرف ما، لديه الرغبة في أن ينهي إلينا معلومة معينة أثناء نومنا. على الجانب الآخر، فإن التقدم العلمي، وبخاصة في ميادين علم النفس والتحليل النفسي ونظرية المعرفة، جعلت كثيراً من الاختصاصيين يبدون تحفظاً كبيراً على النظرية السالفة. فالتطور العلمي ومنجزاته تدحض بإطلاق الفرضية القائلة بوجود كيانات خارجية لديها القدرة على مخاطبة البشر. غير أن ذلك لم يلغِ البتة، تلك الفرضية التي تقوم على اعتبار الحلم رسالة من نوع خاص. وعلى سبيل المثال، يتجلى ذلك على نحو باهر في مكتشفات التحليل النفسي، إذ يذهب قطباه سيغموند فرويد و كارل يونغ إلى أن الأحلام هي في الواقع رسائل تتجه إلينا، ولكنهما على النقيض من أشياع النظرية السابقة الذين أكدوا على أن مصدرها أشخاص آخرون وكيانات منفصلة عن الفرد المتلقي للحلم، إنما مصدرها أنفسنا، وحجتهم مثلما هو معروف أن في دواخل أنفسنا وأعماقها أجزاء لا نملك اتصالاً مباشراً بها. وتلك الفرضية التي تروم إعادة الحلم إلى قاع النفس البشرية تبدد الحمولة الميتافيزيقية للحلم وتعيد رسم نقطة بدءه ومنتهاه، فوفقاً لأتباع مدرسة التحليل النفسي، يغدو الحلم أشبه ما يكون بعلاقة شخصية عميقة طرفاها الفرد ذاته. يستتبع ذلك، أن تفسير الأحلام لا يتطلب سوى إماطة اللثام عن محتوى ذهن الفرد. لكن ذلك لا يعني أنه لم يكن هناك على الإطلاق تيار عريض من الفلاسفة والعلماء ينظر للأحلام على أنها محض ظاهرة عضوية لا ينبغي إضفاء دلالات أخرى عليها. فهناك من العلماء من يجزم بأن الأحلام ليست سوى ضوضاء لا معنى لها وسببها الطريقة التي يعمل وفقاً لها الذهن الإنساني، كما يشددون على أن ذلك مرتبط على نحو وثيق بالجانب الفسيولوجي من جسم الإنسان، لذا فإن ليس ثمة ضرر فادح منها، شأنها كشأن أية أعراض جانبية، قد يختبرها الإنسان. وذلك التيار يضرب في أعماق بدايات التفكير الإنساني المنظم، فالفيلسوف الإغريقي أرسطو، ادعى بأن الأحلام ليست سوى تأثيرات لاحقة للحظة التي تصحو فيها حواس الإنسان، كما يؤكد على أنها في بعض الأحيان ليست سوى صور تقفز إلى الذهن بعدما تسترخي الحواس. والأمر عينه في الاتجاهات الحديثة، وبخاصة تلك التي تدرس الأحلام على ضوء تطور العلوم الخاصة بالأعصاب والشبكات العصبية. إذ يذهب اختصاصيو العلوم العصبية إلى القول بأن الأحلام ليست سوى وظيفة يقوم بها الذهن لتنظيف الذاكرة وتقويمها من تلك الشوائب التي لحقت بها طيلة ساعات النهار، وبمعنى آخر، فإنهم يشبّهون الأحلام بالخادم الذي يقوم بتنظيف المنزل وترتيبه. لكن التهوين من أهمية الأحلام ومركزية دورها في حياتنا يخفق إلى حد كبير في نفي حقائق من بينها، أن الأحلام تحمل تعبيراً خاصاً بها، فهي بمثابة تمظهر لحالة ما، طالما أنها تزيح الستارة الداكنة التي تقبع عميقاً خلفها مكونات أنفسنا. وإذا تقوم بدور كهذا، يتبين أنها الوحيدة القادرة على غرف ما تراكم في القاع البشرية، فالفكر والسلوك الواعيين ليس بمقدورهما التنكب لتلك المهمة الشاقة، فالأحلام بذلك، تجعلنا نقبض على الذكريات، والأفكار، والعواطف التي تتوارى بعيداً عن حياتنا الواعية. ولئن سلمنا بأن تلك الأشياء ملامح مميزة للنفس البشرية، فإن الأحلام بذلك تغدو أداة فاعلة - إن لم تكن الأداة اليتيمة - في سبر غور النفس وفهمها. وفي هذا السياق، تلوح خاصية كبرى للأحلام تجعلها حرية بالدراسة والبحث، إذ متى ما سلمنا بالحقيقة التي مفادها أن مضمون الأحلام ينبعث أساساً من أعماق النفس البشرية، فإننا سننتهي إلى حقيقة كبرى تكون الأحلام وفقاً لها أشد أفعال التعبير عن النفس ومكنوناتها سطوعاً. تبقى الأحلام ومركزية دورها في حياة الإنسان أمراً خلافياً. فثمة تطوير دائم للأهمية التي تحتلها الأحلام وللوظيفة التي تقوم بها. فمازال هناك ميل جارف إلى التسليم بحقيقة تأثير الأحلام على حياة البشر ومستقبلهم وبخاصة حينما تتناغم مع ما يعتقده الفرد من أفكار ومسلمات. وفي هذا السياق، نشرت مجلة رصينة «مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي» دراسة تجريبية حول مدى تعامل الأفراد على نحو جديّ مع الأحلام التي تراودهم، واكتسبت تلك الدراسة أهميتها من كونها عابرة للثقافات، بحيث امتدت عينة المبحوثين لتشمل دولاً متباعدة ثقافياً كأمريكا، والهند، وكوريا الجنوبية. وقد شدد أفراد العينة على أن الأحلام ليست سوى حقائق مدفونة في أعماق النفس تقفز فجأة كي تغيّر مسار الفرد في الحياة. واللافت هنا، أن الأحلام وفقاً لمخرجات هذه الدراسة تأخذ شكل النبوءات، طالما أنها بطريقة أو بأخرى، تعيد توجيه مسار الفرد وسلوكه. أياً كان الأمر، فثمة تأثير لا يستهان به للأحلام على الحياة اليومية. ولعل ذلك تحديداً ما يجعل دراسة الأحلام واستكناهها أمراً على قدر كبير من الأهمية. فالأحلام ستبقى ما بقي الفرد حياً تدعوه دوماً إلى النظر في عالمه الداخلي المجهول، وفي إقامة نوع من التناغم ما بين ذلك العالم والعالم الخارجي، ولئن بدت تلك على المستوى النظري مهمة يسيرة إلا أنها في واقع الأمر على قدر كبير من المشقة، ولكنها في الوقت عينه تستدعي من الإنسان تكريس وقت وجهد كبيرين كي تفتح مغاليق ذلك العالم الذي استعلى على البشر سبر غوره زمناً مديداً. [b] | |
|